يرسم أليكس بليتساس صورة قاتمة لمشهد إقليمي بالغ الهشاشة، محذرًا من أن الشرق الأوسط يقف عند لحظة خطرة تتقاطع فيها نزاعات مفتوحة مع تآكل الردع وتزايد احتمالات التصعيد المتسلسل. يرى الكاتب أن المنطقة لا تعيش هدنة مستقرة، بل مرحلة توتر كامن قد ينفجر من أكثر من مسرح في أي لحظة، من غزة إلى جنوب لبنان، وصولًا إلى إيران والبحر الأحمر.
يوضح المقال الصادر عن مركز الجيو -اقتصاد في أتلانتيك كآونسل أن اتفاقات وقف إطلاق النار المؤقتة المنتشرة في الإقليم لا تعني سلامًا مستدامًا، لأن القضايا الجوهرية ما زالت دون حل، ولأن أطراف الصراع تحمل تصورات متناقضة تمامًا حول شكل “النهاية” التي تريدها.
إيران ووكلاؤها: إعادة بناء الردع
يعتمد السلوك الإقليمي لإيران، بحسب التحليل، على نموذج ردع مركّب يقوم على الوكلاء المسلحين، والقدرات الصاروخية بعيدة المدى، والغموض الاستراتيجي بدل المواجهة المباشرة بين الدول. يهدف هذا النموذج إلى فرض كلفة متراكمة على الخصوم مع تقليل احتمالات الرد المباشر على طهران.
تشير تقييمات أمريكية وأممية متكررة إلى أن إيران تمتلك أكبر ترسانة صاروخية وأكثرها تنوعًا في الشرق الأوسط، وتواصل الاستثمار في القواعد المحصنة تحت الأرض وقدرات الإنتاج. تتكامل هذه القوة مع جماعات مسلحة موالية لها تنشط في لبنان وغزة والعراق وسوريا واليمن.
من منظور إسرائيلي، تشكّل هذه البنية تهديدًا وجوديًا. هجوم السابع من أكتوبر 2023 غيّر جذريًا إدراك إسرائيل للمخاطر، بعدما أظهر قدرة قوى مرتبطة بإيران على إحداث صدمة استراتيجية دون إشعال حرب إقليمية شاملة. منذ ذلك الحين، باتت إسرائيل أكثر تصميمًا على منع عودة بيئة ردع تسمح بتكرار سيناريو مشابه، ما يضيّق هامش تسامحها مع أي إعادة تسليح إيرانية أو تعزيز لقوة الوكلاء، خصوصًا على جبهتها الشمالية.
حزب الله ولبنان: عجز الدولة وحدود السيادة
يُعد حزب الله، وفق المقال، الأكثر قوة عسكريًا بين حلفاء إيران. تقدّر تقارير مستقلة امتلاكه عشرات الآلاف من الصواريخ، بينها أنظمة دقيقة قادرة على ضرب عمق إسرائيل. يفرض قرار مجلس الأمن 1701 نزع سلاح الجماعات غير الحكومية جنوب نهر الليطاني وبسط سلطة الدولة اللبنانية، لكن الحزب يرفض ذلك صراحة، معتبرًا سلاحه “ضرورة مقاومة”.
تعترف الحكومة اللبنانية والجيش اللبناني بعدم القدرة أو الرغبة في نزع سلاح حزب الله بالقوة، خشية تفجير صراع داخلي. هذا الواقع يدفع إسرائيل إلى التعامل مع المشكلة بوصفها عجزًا بنيويًا للدولة اللبنانية لا مجرد تقاعس سياسي. ترى تل أبيب أن ترسّخ الحزب على الحدود يتعارض مع أي استقرار طويل الأمد.
منذ توقيع وقف إطلاق النار في 2024، نفذت إسرائيل ضربات متفرقة في جنوب لبنان، بينما سعت إيران إلى إعادة تزويد الحزب بالأموال والسلاح، ما رفع منسوب التوتر واقترب به من نقطة الانفجار، خاصة مع تحديد إسرائيل مهلة زمنية لما تعتبره “التزامًا جديًا” بالقرار الدولي.
غزة والتصعيد المتسلسل: غياب مسار نزع السلاح
في غزة، ما زالت حماس فاعلًا سياسيًا مسلحًا رغم العمليات العسكرية المكثفة. ترفض الحركة نزع سلاحها كشرط لأي وقف إطلاق نار أو ترتيب لما بعد الحرب. تطرح المقترحات الأمريكية للمرحلة الثانية من التهدئة انتقالًا نحو ترتيبات أمنية وإدارية أكثر استدامة، لكن لا دولة عربية أو قوة دولية أبدت استعدادًا لاستخدام القوة لنزع سلاح حماس.
تؤكد دول عربية أنها لن تتحمل مسؤولية إدارة غزة إذا تطلّب ذلك مواجهة مباشرة مع الحركة، ما يترك أي ترتيبات انتقالية دون آلية إنفاذ حقيقية. يعمّق هذا الفراغ شكوك إسرائيل في جدوى أي تهدئة لا تقترن بنزع السلاح، ويعزز قناعتها بأن خفض التصعيد دون معالجة جوهرية يؤجل الصراع بدل إنهائه.
يحذّر الكاتب من أن الخطر المركزي يتمثل في التصعيد المتسلسل. قد يدفع تصعيد في غزة إلى انفجار الجبهة مع لبنان، ما يفتح الباب لمواجهة مباشرة أو غير مباشرة مع إيران. بدوره، قد يدفع ذلك الحوثيين إلى استئناف هجمات على الملاحة في البحر الأحمر أو استهداف إسرائيل، بالتوازي مع تنشيط فصائل موالية لإيران في العراق ضد مصالح أمريكية.
يخلص المقال إلى أن المنطقة لم تدخل بعد حربًا شاملة، لكن تلاقي النزاعات غير المحسومة، وبنية الردع القائمة على الوكلاء، والجداول الزمنية الصارمة لنزع السلاح، يقلّص هامش الخطأ إلى حد خطير. يرى الكاتب أن منع الانفجار يتطلب معالجة هياكل الردع نفسها، لا الاكتفاء بإدارة الأزمات.
https://www.atlanticcouncil.org/dispatches/the-middle-east-is-on-the-brink-of-a-new-crisis-heres-where-it-could-start/

